كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان التقدير ونرجع بها إليه بأخينا، فيظهر له نصحنا وصدقنا: {ونمير أهلنا}، أي: نجلب إليهم الميرة برجوعنا إليه، والميرة الأطعمة التي تحمل من بلد إلى بلد: {ونحفظ أخانا} فلا يصيبه شيء مما تخشى عليه تأكيدًا للوعد بحفظه: {ونزداد كيل بعير} لأخينا: {ذلك كيل يسير}، أي: سهل على الملك لسخائه وحرصه على البذل، وقيل: قصير المدّة ليس سبيل مثله أن تطول مدّته بحسب الحبس والتأخير، وقيل قليل فابعث أخانا حتى نبدل تلك القلة بالكثرة، فكأنه قيل: ما قال لهم؟ فقيل: {قال} يعقوب عليه السلام: {لن أرسله}، أي: بنيامين كائنًا: {معكم}، أي: في وقت من الأوقات: {حتى تؤتوني موثقًا}، أي: عهد مؤكدًا: {من الله} قرأ ابن كثير بإثبات الياء بعد النون وقفًا ووصلًا، وأبو عمرو بإثبات الياء وقفًا لا وصلًا، وحذفها الباقون وقفًا ووصلًا، وقوله: {لتأتنني}، أي: كلكم: {به} أي: تحلفوا بالله لتأتنني به من الإتيان، وهو المجيء في كل حال جواب القسم، أو المعنى حتى تحلفوا بالله لتأتنني به: {إلا}، أي: في حال: {أن يحاط}، أي: تحصل الإحاطة بمصيبة من المصائب لاطاقة لكم بها: {بكم} فتهلكوا من عند آخركم كل ذلك زيادة في التوثيق بما حصل له من المصيبة بيوسف عليه السلام، وإن كان الاعتماد في حفظه إنما هو على الله تعالى، وهذا من باب اعقلها وتوكل، فأجابوه إلى ذلك كما قال تعالى: {فلما آتوه موثقهم} بذلك: {قال الله على ما نقول} نحن وأنتم: {وكيل}، أي: شهيد، وأرسله معهم بعد ذلك.
فإن قيل: لم أرسله معهم وقد شاهد منهم ما شاهد في يوسف عليه السلام؟
أجيب: بأن ذلك لوجوه: أحدها: أنهم كبروا ومالوا إلى الخير والصلاح، الثاني: أنه كان شاهد أنه ليس بينهم وبين بنيامين من الحسد والحقد مثل ما كان بينهم وبين يوسف عليه السلام، الثالث: لعل الله أوحى إليه وضمن حفظه وإيصاله إليه.
{و} لما عزموا على الخروج إلى مصر وكانوا موصوفين بالكمال والجمال وأبناء رجل واحد: {قال} لهم: {يا بني لا تدخلوا} إذا قدمتم إلى مصر: {من باب واحد} من أبوابها: {وادخلوا من أبواب} واحترز من أن تكون متلاصقة أو متقاربة جدًا بقوله: {متفرّقة}، أي: تفرّقا كثيرًا، وهذا حكم التكليف لئلا يصابوا بالعين، وهي من قدر الله تعالى.
وقد ورد شرعنا بذلك ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «العين حق». وفي رواية عن أحمد «يحضرها الشيطان وحسد ابن آدم». وفي رواية لمسلم: «العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين». وفي رواية عن جابر: «إنّ العين لتدخل الجمل القدر والرجل القبر»، وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم كان يعوّذ الحسن والحسين فيقول: «أعيذكما بكلمات الله التامّة من كل شيطان وهامّة ومن كل عين لامّة». ويقول: «هكذا كان يعوّذ إبراهيم إسماعيل وإسحاق» صلوات الله وسلامه عليهم وعلى سائر النبيين، وعن عبادة بن الصامت قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوّل النهار فوجدته شديد الوجع، ثم عدت إليه في آخر النهار فرأيته معافى فقال: «إنّ جبريل عليه السلام أتاني فرقاني فقال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من كل عين وحاسد الله يشفيك، قال فأفقت» وفي رواية أنّ بني جعفر بن أبي طالب كانوا غلمانًا بيضًا فقالت أسماء: يا رسول الله، إنّ العين إليهم سريعة فاسترق لهم من العين؟ فقال لها: «نعم». وفي رواية دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أمّ سلمة وعندها صبي يشتكي فقالوا: يا رسول الله أصابته العين. فقال: «أما تسترقون له من العين». وعن عائشة رضي الله تعالى عنها «كان يؤمر العائن أن يتوضأ ثم يغتسل منه المعين الذي أصيب بالعين».
ولما خاف يعقوب عليه السلام أن يسبق من أمره هذا إلى بعض الأوهام أنّ الحذر يغني عن القدر نفى ذلك بقوله عليه السلام: {وما أغني}، أي: أدفع: {عنكم} بقولي ذلك: {من الله من شيء} قدره عليكم، وإنما ذلك شفقة، ومن مزيدة للتأكيد، واعلم أنّ الإنسان مأمور بأن يراعي الأسباب المعتبرة في هذا العالم بأن يجزم بأنه لا يحصل الا ما قدره الله تعالى وإن الحذر لايدفع القدر، فالإنسان مأمور بأن يحذر الأشياء المهلكة والأغذية الضارة، ويسعى في تحصيل المنافع ودفع المضارّ بقدر الإمكان، ومع ذلك يكون جازمًا بأنه لا يصل إليه إلا ما قدّره الله تعالى، ولا يحصل في الوجود إلا ما أراده الله تعالى، فقوله عليه السلام: {لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة} إشارة إلى رعاية الأسباب المعتبرة في هذا العالم، وقوله: {وما أغني عنكم من الله من شيء} إشارة إلى عدم الالتفات إلى الأسباب بل إلى التوحيد المحض، والبراءة من كل شيء سوى الله تعالى. ولما قصر الأمر كله إليه تعالى وجب رد كل أمر إليه، وقصر النظر عليه، فقال منبهًا على ذلك: {إن الحكم إلا لله} وحده الذي ليس الحكم إلا له: {عليه}، أي: على الله وحده: {توكلت}، أي: جعلته وكيلي فرضيت بكل ما يفعل: {وعليه} وحده: {فليتوكل المتوكلون}، أي: الثابتون في باب التوكل، فإنّ ذلك من أعظم الواجبات من فعله فاز ومن أغفله خاب، وقد ثبت بالبرهان أن لا حكم إلا لله، فلزم القطع بأنّ حصول كل الخيرات ودفع كل الآفات من الله تعالى، وذلك يوجب أن لا توكل إلا على الله تعالى، فهذا مقام شريف عال.
والشيخ أبو حامد الغزالي أكثر في تقرير هذا المعنى في كتاب التوكل من كتب إحياء علوم الدين فمن أراد الاستقصاء فيه فليطالع ذلك الكتاب. ولما قال يعقوب عليه السلام: {وما أغني عنكم من الله من شيء} صدّقه الله تعالى في ذلك فقال: {ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم}، أي: متفرّقين: {ما كان} ذلك التفرّق: {يغني عنهم من الله}، أي: من قضائه وأغرق في النفي فقال: {من شيء}، أي: مما قضاه عليهم كما تقدّم من قول يعقوب عليه السلام فسرّقوا وأخذ بنيامين بوجدان الصواع في رحله وتضاعفت المصيبة على يعقوب عليه السلام وقوله تعالى: {إلا حاجة} استثناء منقطع، أي: لكن حاجة: {في نفس يعقوب} وهي الوصول إلى ما أمر به شفقة عليهم: {قضاها} يعقوب عليه السلام وأبرزها من نفسه إلى أولاده فعملوا فيها بمراده فاغني عنهم الخلاص من عقوق أبيهم فقط: {وإنه}، أي: يعقوب عليه السلام مع أمره لبنيه بذلك: {لذو علم}، أي: معرفة بالحكمين حكم التكليف وحكم التقدير واطلاع على الكونين عظيم: {لما علمناه} بالوحي ونصب الحجج، ولذلك قال: {وما أغني عنكم من الله من شيء} ولم يغتر بتدبيره. ولما كان قد يظنّ أنّ كل أحد يكون كذلك، أي: يعلم ما علمه نفى ذلك سبحانه وتعالى بقوله جل شأنه: {ولكنّ أكثر الناس}، أي: لأجل ما نالهم من الاضطراب: {لا يعلمون}، أي: ليسوا بذوي علم لما علمناهم لإعراضهم عنه واستفراغ قواهم في الاهتمام بما وقع التكليف لهم به ومن أحوال الدنيا ومقابلة فطرهم القويمة السليمة بردّها إلى ما تدعوهم إليه الحظوظ والشهوات حتى لا يكون طب لمخلوق. ولما أخبر تعالى عن دخولهم إلى البلد أخبر عن دخولهم لحاجتهم إلى يوسف عليه السلام.
فقال: {ولما دخلوا}، أي: أخوة يوسف عليه السلام: {على يوسف} في المقدمة الثانية بأخيهم بنيامين قالوا: هذا أخونا فقال: أحسنتم واحتسبتم وستجدون خير ذلك عندي، ثم أنزلهم وأكرم منزلهم، ثم أضافهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة، فبقي بنيامين وحيدًا فبكى وقال: لو كان أخي يوسف حيًا أجلسني معه، فقال يوسف: لقد صار أخوكم هذا وحيدًا فأجلسه معه على مائدته، وصار يؤاكله فلما كان الليل أمر أن ينزل كل اثنين منهم بيتًا، فبقي بنيامين وحده فقال يوسف هذا ينام معي على فراشي كما قال تعالى: {آوى} أي: ضم: {إليه أخاه} فبات معه وجعل يوسف يضمه إليه ويشمه ثم قال له: ما اسمك؟ فقال: بنيامين، قال: وما بنيامين؟ قال: المثكل وذلك أنه لما ولد هلكت أمّه. قال: وما اسم أمّك؟ قال: راحيل بنت لاوي. قال: فهل لك من ولد؟ قال: نعم عشرة بنين. ولما رأى تأسفه لأخ له هلك، قال له: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك؟ فقال: ومن يجد أخًا مثلك ولكنك لم يلدك يعقوب ولا راحيل، فبكى يوسف وقام إليه وعانقه: {وقال إني أنا أخوك فلا تبتئس}، أي: لا تحزن: {بما كانوا يعملون}، أي: بشيء فعلوه بنا فيما مضى، فإنّ الله قد أحسن إلينا فلا تلتفت إلى أعمالهم المنكرة التي قد أقدموا عليها، وقد جمعنا الله تعالى على خير ولا تعلمهم بشيء من ذلك.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء، والباقون بالسكون، ومدّ بعد النون من أنا قبل الهمزة المفتوحة نافع، والباقون بالقصر، ثم أنه ملأ لهم أوعيتهم كما أرادوا، وكان في المرّة الأولى أبطأ في تجهيزهم في طول المدّة ليتعرّف أخبارهم من حيث لا يشعرون، ولذلك لم يعطف بالفاء، وأسرع في تجهيزهم في هذه المرّة قصدًا إلى انفراده بأخيه من غير رقيب بالحيلة التي دبّرها فلذلك أتت الفاء في قوله: {فلما جهزهم}، أي: اعجل جهازهم وأحسنه: {بجهازهم جعل} بنفسه أو بمأذونه: {السقاية}، أي: المشربة التي كان يشرب بها: {في رحل أخيه}، أي: وعاء طعام أخيه بنيامين كما فعل ببضاعتهم في المرّة الأولى. قال ابن عباس: كانت من زبرجد. وقال ابن إسحاق: كانت من فضة وقيل: من ذهب. وقال عكرمة: كانت مشربة من فضة مرصعة بالجواهر، وجعلها يوسف عليه السلام مكيالًا لئلا يكال بغيرها وكان يشرب فيها.
قال الرازي: هذا بعيد؛ لأنّ الإناء الذي يشرب فيه الملك لا يصلح أن يجعل صاعًا، وقيل: كانت الدواب تسقى بها، قال: وهذا أيضًا بعيد؛ لأنّ الآنية التي تسقى الدواب فيها لا تكون كذلك، وقال: والأصوب أن يقال: كان ذلك الإناء شيئًا له قيمة أمّا إلى هذا الحد الذي ذكروه فلا، والسقاية والصواع واحد، ثم ارتحلوا وأمهلهم يوسف عليه السلام حتى انطلقوا وذهبوا منزلًا، وقيل: حتى خرجوا من العمارة ثم بعث خلفهم من استوقفهم وحبسهم: {ثم أذن}، أي: أعلن فيهم بالنداء: {مؤذن} قائلًا برفع صوته وإن كانوا في غاية القرب منه بما دل عليه إسقاط الأداة: {أيتها العير}، أي: القافلة، قال أبو الهيثم: كل ما سير عليه من الإبل والحمير والبغال فهو عير. قال: وقول من قال العير الإبل خاصة باطل، فقوله: {أيتها العير}، أي: أصحاب العير كقوله: يا خيل الله اركبي. قال الفراء: كانوا أصحاب إبل. وقال مجاهد: كانت العير حميرًا.
وقرأ ورش بإبدال همزة مؤذن واوًا وقفًا ووصلًا، وحمزة في الوقف فقط، والباقون بالقصر. {إنكم لسارقون} فقفوا حتى ننظر الذي فقد لنا، والسرقة أخذ ما ليس له أخذه في خفاء من حرز مثله. فإن قيل: هل كان هذا النداء بأمر يوسف عليه السلام أو ما كان بأمره؟ فإن كان بأمره فكيف يليق بيوسف عليه السلام مع علو منصبه أن يبهت أقوامًا وينسبهم إلى السرقة كذبًا وبهتانًا؟ وإن كان بغير أمره فهلا أظهر براءتهم عن تلك التهمة؟
أجيب: بأجوبة:
الأوّل: أنه عليه السلام لما أظهر لأخيه أنه يوسف قال لست أفارقك قال: لا سبيل إلى ذلك إلا بتدبير حيلة أنسبك فيها إلى ما لا يليق بك. قال: رضيت بذلك، وعلى هذا لم يتألم قلبه بسبب هذا الكلام؛ لأنه قد رضي به فلا يكون ذلك ذنبًا.
الثاني: {إنكم لسارقون} يوسف من أبيه إلا أنهم ما أظهروا هذا الكلام فهو من المعاريض، وفي المعاريض مندوحة من الكذب.
الثالث: أنّ المنادي إنما ذكر النداء على سبيل الاستفهام وعلى هذا يخرج أن يكون كذبًا.
الرابع: ليس في القرآن ما يدل على أنهم قالوا هذا بأمر يوسف عليه السلام. قال الرازي: والأقرب إلى ظاهر الحال أنهم فعلوا ذلك من أنفسهم؛ لأنهم لما طلبوا السقاية فلم يجدوها، ولم يكن هناك أحد غيرهم غلب على ظنهم أنهم الذين أخذوها. ولما وصل إليهم الرسول قال لهم: ألم نحسن ضيافتكم ونكرم مثواكم ونفيكم كيلكم وفعلنا بكم ما لم نفعل بغيركم؟ قالوا: بلى، وما ذاك؟ قالوا: سقاية الملك فقدناها ولا نتهم عليها غيركم فذلك قوله تعالى: {قالوا و} الحال أنهم قد: {أقبلوا عليهم}، أي: على جماعة الملك المنادي وغيره: {ماذا}، أي: ما الذي: {تفقدون} مما يمكننا أخذه والفقدان ضدّ الوجود: {قالوا نفقد} وكان للسقاية اسمان فعبروا بقولهم: {صواع الملك} والصواع هو المكيال وهو السقاية المتقدّمة سموه تارة كذا وتارة كذا، وإنما اتخذوا هذا الإناء مكيالًا لعزة ما يكال به في ذلك الوقت. {ولمن جاء به حمل بعير}، أي: من الطعام، والبعير يطلق لغة على الذكر خاصة وأطلقه بعضهم على الناقة أيضًا، وجعله نظير إنسان وهو ما جرى عليه الفقهاء في باب الوصية، والجمع في القلة على أبعرة، وفي الكثرة على بعران: {وأنا به زعيم} قال مجاهد: هذا الزعيم هو الذي أذن، والزعيم الكفيل، وهذه الآية تدل على أنّ الكفالة كانت صحيحة في شرعهم، وقد حكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «الزعيم غارم».
وإذا ورد في شرعنا ما يقرّر شرع غيرنا، هل يكون شرعًا لنا؟ في ذلك خلاف والراجح أنه ليس بشرع لنا. فإن قيل: كيف تصح هذه الكفالة مع أنّ السارق لا يستحق شيئًا؟
أجيب: بأنهم لم يكونوا سراقًا في الحقيقة فيحمل ذلك على مثل رد الضائع، فيكون ذلك جعالة أو أنّ مثل هذه الكفالة، كانت جائزة عندهم في ذلك الزمان.
{قالوا}، أي: أخوة يوسف عليه السلام: {تالله} التاء حرف قسم، وهي عند الجمهور بدل من واو القسم، والواو بدل من الباء، فهي فرع الفرع، فلذلك ضعفت عن التصريف في الأسماء، فلا تدخل إلا على الجلالة الكريمة أو الرب مضافًا للكعبة أو الرحمن في قول ضعيف، ولو قلت: تالرحمن لم يجز، أي: والله: {لقد علمتم} أي: بما جرّبتم من أمانتنا قبل هذا في كون مجيئنا: {ما جئنا} وأكدوا النفي باللام فقالوا: {لنفسد}، أي: نوقع الفساد: {في الأرض}، أي: أرض مصر: {و} لقد علمتم: {ما كنا}، أي: بوجه من الوجوه: {سارقين}، أي: موصوفين بهذا الوصف قطعًا. فإن قيل: من أين علموا ذلك؟
أجيب: بأنّ ذلك يعلم مما رأوا من أحوالهم، وقيل: لأنهم ردّوا البضاعة التي جعلت في رحالهم، قالوا: فلوا كنا سارقين ما رددناها، وقيل: قالوا ذلك؛ لأنهم كانوا معروفين بأنهم لا يتناولون ما ليس لهم، وكانوا إذا دخلوا مصر كمموا أفواه دوابهم كي لا تتناول شيئًا من حروث الناس.
{قالوا}، أي: أصحاب يوسف عليه السلام المنادي ومن معه: {فما جزاؤه}، أي: السارق، وقيل: الصواع: {إن كنتم كاذبين}في قولكم: ما كنا سارقين ووجد فيكم، والجزاء مقابلة العمل بما يستحق من خير وشر.
{قالوا} وثوقًا منهم بالبراءة وإخبارًا بالحكم عندهم: {جزاؤه من وجد في رحله} ولتحققهم البراءة علقوا الحكم على مجرد الوجدان لا السرقة، ثم أكدوا ذلك بقولهم: {فهو جزاؤه} قال ابن عباس: كان ذلك الزمان كل سارق بسرقته فلذلك قالوا ذلك، أي: فالسارق جزاؤه أن يسلم بسرقته إلى المسروق منه فيسترق سنّة، وكان ذلك سنّة آل يعقوب في حكم السارق وكان حكم ملك مصر أن يضرب السارق ويغرم ضعفي قيمة المسروق، فأراد يوسف أن يحبس أخاه عنده فرد الحكم إليهم ليتمكن من حبسه عنده على حكمهم: {كذلك}، أي: الجزاء: {نجزي الظالمين} بالسرقة، قال أصحاب يوسف: فلابد من تفتيش رحالكم، فردوهم إلى يوسف عليه السلام فأمر بتفتيشها بين يديه.
{فبدأ بأوعيتهم} ففتشها: {قبل وعاء أخيه} لئلا يتهم فلم يجد فيها شيئًا: {ثم}، أي: بعد تفتيش أوعيتهم والتأني في ذلك: {استخرجها}، أي: السقاية أو الصاع؛ لأنه يذكر ويؤنث: {من وعاء أخيه} فلما خرج الصاع من وعاء بنيامين نكس أخوته رؤوسهم من الحياء، وأقبلوا على بنيامين يلومونه ويقولون: له إيش الذي صنعت فضحتنا وسوّدت وجوهنا يا ابن راحيل مازال لنا منكم بلاء حتى أخذت هذا الصاع. فقال بنيامين: بل بنوا راحيل مازال لهم منكم بلاء ذهبتم بأخي فاهلكتموه في البرية إنّ الذي وضع هذا الصاع في رحلي هو الذي وضع البضاعة في رحالكم، فأخذ بنيامين رقيقًا.